عرف المغرب
منذ مطلع القرن العشرين،حركة مطالب دستورية كثيرة جاءت أساسا كرد على التسرب
الاستعماري الذي بدأ يهدده تدريجيا.وهكذا ظهرت مذكرات ومشاريع دستورية متعددة وهي
كالتالي:المذكرة الدستورية لعبد الله بن سعيد لسنة 1902 ومذكرة الحاج علي بن أحمد
زنيبر غداة مؤتمر الجزيرة الخضراء ومذكرة عبد الكريم مراد و هو مواطن عثماني
جاء إلى مدينة فاس سنة 1906 و مذكرة دستورية مجهولة سنة 1907
ومذكرة دستورية مجهولة سنة 1908 الذي تعرقل تنفيذها نتيجة إقرار الحماية على
المغرب .
ألغى مشروع الدستور لسنة 1908
كل العقوبات الجسدية التي تحط من قيمة وكرامة الإنسان (كقطع الرؤوس وتعليقها على
الأسوار والضرب بالعصا الخ . . .) ووضع مبادئ الحقوق الفردية كالحق في التمتع
بالحرية الشخصية في حدود مراعاة الآداب العامة والحق في التملك وفي تولي الوظائف
العامة في الدولة بدون تمييز والحق في التعليم الخ. كل هذه الحقوق والحريات توضع
تحت إشراف منتدى الشورى .
تجدر الإشارة
إلى بعض الملاحظات تخص شكل ومضمون نصي 1907و1908
أولا: يتضمن النصان مقتضيات لا علاقة
لها بالقانون الدستوري الحديث،كتلك المتعلقة بتنظيم مجالس الأحباس وتنظيم الجيش. .
. (مذكرة 1907)أو تلك المتعلقة بالرواتب الشهرية لكبار الموظفين (ف71 إلى 74 من
مشروع دستور 1908)،أو التنظيم المحكم والدقيق للمدارس الوطنية (ف83 إلى 89 من نفس
المشروع) ،أو المتعلقة بالإعانات (ف 75 إلى 82).
ويبدو أن الدستور العثماني ل 23
دجنبر 1906 والذي دخل حيز التطبيق في 24 يوليوز 1908 قد أثر على صاحب أو أصحاب
مشروع الدستور لسنه 1908،فبعض المصطلحات المستعملة في النص المذكور تبدو غريبة عن
الاستعمال المغربي،كتلك المذكورة في الفصل 7:". . . طاعة السلطان واجبة بصفته
إماما شريفا،واحترام شخصه واجب كذلك لأنه وارث للبركة "كما أن
مصطلحات أخرى لم يتم مغربتها كنزع الملكية بدل الغصب وكالتسخير بدل الكلفة أو
التويزة.
ويتشابه مشروعا 1907 و1908 في
إحداث برلمان بغرفتين وإلغاء السخرة والواجبات المالية وحق كل مواطن في تقديم شكوى
أمام البرلمان ضد موظف مخزني. . .وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد بأن واضعي مشروع 1908
قد استلهموا مضمونه من مذكرة 1907 كما أن النصين يتضمنان بعض العيوب.
-فإذا كانت مذكرة 1907 لم تركز على شروط انتقال
السلطة، فإن مشروع دستور 1908 يتطرق لذلك بطريقة عامة، وهكذا فإن الإمامة تعود إلى
الأكثر نضجا بين أقرب المقربين (ف10).وهذا المقتضى يفتح الباب أمام الطموحات
والدسائس ويسهل عدم استقرار المخزن ( السلطة المركزية).
-لم يحدد النصان آليات المسؤولية
السياسية ولا مسطرة التوافق في حالة النزاع بين الأجهزة المحدثة.
وفي الأخير تجب الإشارة إلى أن
المشروعين لم يحددا كيفية انتخاب النواب.
غير أنه ورغم هذه العيوب
والنواقص، فإن إسهام المذكرة الدستورية لسنة 1907 والمشروع الدستوري لسنة 1908
يتجلى أساسا في أن الشعب لا يعبر ضمنيا عن طريق مجلس العلماء، فهو يتدخل مباشرة في
اختيار نوابه. كما أن الطموح إلى تأسيس فكرة التمثيلية يعطينا نظرة واضحة للأفكار
السياسية الرائجة في تلك الحقبة و التي شكلت خطوة كبيرة في طريق عصرنة
"المغرب التقليدي".
إن نظام الحماية التي فرضته
فرنسا على المغرب بموجب معاهدة 30 مارس 1912 والذي فقد المغرب من خلاله سيادته
واستقلاله الفعلي لفترة زمنية طويلة كان له آثار هامة على المستويين القانوني
والسياسي .
على المستوى القانوني تطور
النظام القانوني للحماية من وضع المغرب تحت الدولة الفرنسية إلى السيطرة عليه
سياسيا وإداريا واقتصاديا ودوليا.
وقد ارتكز النظام السياسي على
ازدواجية السلطات على جميع المستويات:سلطة حقيقة وسلطة شكلي.
أما على المستوى السياسي فقد
قسم المغرب على إثر معاهدة الحماية إلى ثلاث مناطق:منطقة النفوذ الاسباني في
الشمال ومنطقة الحماية الفرنسية في وسط وشرق وغرب وجنوب البلاد ومنطقة طنجة
الدولية.
وبالرغم أن معاهدة الحماية تم
توقيعها سنة 1912 فإن السيطرة الكاملة على المغرب لم تكتمل إلا في سنة 1930.وقد
خاض الشعب المغربي في جميع المناطق مقاومة مسلحة شديدة. -ففي الجنوب،بعد وفاة الشيخ ماء
العينين في تزنيت سنة 1910، قام ابنه الهيبة بقيادة المناهضة للاستعمار.وقد
استمرت المقاومة إلى وفاته سنة 1919.
-وفي الأطلس المتوسط،قاد حركة المقاومة موحى أو حمو الزياني إلى سنة 1920.
وفي الشمال، قاد محمد عبد
الكريم الخطابي ثورة مسلحة تحريرية شملت منطقة الريف وكبد القوات الاسبانية خسائر
فادحة خصوصا في معركة أنوال في يوليوز 1921.وقد حاول تنظيم شؤون الحكم في المناطق
المحررة ووضع جمعية وطنية وإقرار ميثاق وطني ودستور.
لم يؤد القضاء على المقاومة
الريفية إلى إطفاء جذور النضال لدى الشعب المغربي ضد الاحتلال،إلا أن هذا النضال
اتخذ شكلا آخرا يعتمد على المطالبة بالإصلاحات السياسية .وقد برز هذا الأسلوب من
النضال السياسي بشكل كبير على إثر صدور"الظهيرالبربري"في 16 ماي
1930 الذي حاول تقسيم البلاد إلى عرب وبربر والذي شكل في حد ذاته نقطة انطلاق
الحركة الوطنية.
ولعل أهم حدث في هذه الحقبة من
تاريخ الحركة الوطنية هو التوقيع على "بيان الاستقلال"في 11 يناير 1944
بعد موافقة الملك وتبنيه لما جاء فيه من مطالب كانت على الشكل التالي:
• استقلال
المغرب
• بناء اقتصاد
وطني
• إقامة نظام
ملكي دستوري وديمقراطي
• التعاون
الدولي
وقد اعتبر بيان الاستقلال حدثا
تاريخيا بالغ الأهمية حيث جسد وحدة الإرادة لدى الملك والشعب بالنضال من أجل
الاستقلال الوطني.
وقد حاولت السلطات الفرنسية
امتصاص غضب الشعب المتمثل في الحركة الوطنية وذلك بسن بعض الإصلاحات-تشكيل أربع
لجان مختلطة للإصلاح سنة 1944 وإصلاح مجلس شورى الحكومة سنة 1947-إلا أن الملك
والحركة الوطنية رفضوا هذه الإصلاحات وأصروا على ضرورة الاعتراف بحق استقلال
المغرب.
وقد أدى ذلك إلى قيام سلطات
الحماية بمحاصرة القصر الملكي في 20 غشت 1953 واعتقال الملك محمد الخامس ونفيه
لجزيرة مدغشقر .وأدى النضال الوطني في المغرب بجميع أشكاله السياسية والمسلحة إلى
عودة الملك إلى البلاد في 16 نوفمبر 1955 واعتراف فرنسا بحق المغرب في
الاستقلال في بيان مشترك بين ملك المغرب ورئيس الجمهورية الفرنسية في 2 مارس 1956.
من هذه المنطلقات سنعالج في هذه
الورقة التطور الدستوري في المغرب منذ الاستقلال إلى دستور 2011 وسوف نخصص المحور
الأول لتحليل الدساتير التي تعاقبت منذ 1962 إلى 1972 مع التركيز على المرحلة التي
تلت استقلال البلاد والبحث عن توافقات دستورية،أما المحور الثاني فسينصب على دراسة
دينامية الإصلاحات الدستورية 1992 و1996 و 2011 تحت وطأة المتغيرات الدولية
والجهوية و الداخلية والبحث عن توازنات دستورية وسياسية متطورة.
المبحث الأول: بناء الدولة
الدستورية الحديثة : من محمد الخامس إلى الحسن الثاني أو البحث عن دستور متوازن
اتسمت
المرحلة الأولى بعد الاستقلال بهيمنة شبه شاملة للمؤسسة الملكية و صراعها مع
الحركة الوطنية. وقد امتدت من فترة إنشاء المجلس الوطني الاستشاري سنة 1956 إلى سنة
1990 مرورا بدساتير 1962 و 1970 و 1972 واكبتها أحداث سياسية
متميزة من أهمها فشل التجربة البرلمانية الأولى 1963-1965 و إعلان حالة الاستثناء
التي دامت ما بين 1965- 1970 وتأزم الوضع الدستوري في ظل دستور 1970 و الانتقال
إلى دستور 1972 ومحاولات تكوين حكومة وطنية وخصوصا تنظيم المسيرة الخضراء( 5 نوفمبر
1975) التي خلقت إجماعا وطنيا أدى إلى انفراج و دينامية سياسية جديدة و
انطلاق المسلسل الديمقراطي.
المطلب الأول :البحث عن دستور
جديد
تميزت المرحلة الأولى بعد
الاستقلال والممتدة من 1956 إلى 1962 بمحاولة دسترة النظام السياسي وممارسة حياة
برلمانية، وتجلى ذلك في إنشاء المجلس الاستشاري الوطني بموجب الظهير الملكي الصادر
في 3غشت 1956 . كان المجلس يتشكل من 76 عضوا يمثلون مختلف الهيئات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية في البلاد ويتمتع باختصاصات استشارية ومع ذلك مارس الرقابة
على الوزراء ولكنه لم يعمر إلا ثلاثين شهرا حيث تم تجميد نشاطه بسبب الخلافات التي
نشأت بين مكوناته.
وفي نفس الوقت عرف المغرب صدور
العهد الملكي بتاريخ 8 ماي 1958.وقد أقر مبدأ سيادة الشعب والأخذ بمبدأ فصل
السلطات وترسيخ النظام الديمقراطي كإطار لإشراك الشعب تدريجيا في تدبير شؤون
البلاد ومراقبة سيرها.كما تضمن إقرار نظام قانوني يتعلق بالحريات والحقوق
وجدولا تقريبيا لتحقيق المؤسسات الدستورية يبدأ بانتخاب المجالس البلدية والقروية
وتأسيس المجالس المهنية وينتهي بانتخاب مجلس وطني بالاقتراع العام .
وتنفيذا لمقتضيات العهد الملكي،صدر قانون الحريات
العامة في 15 نوفمبر 1958 وتضمن حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية وحرية
التجمع والاجتماع والصحافة.
كما تم تعيين مجلس دستور بتاريخ
3 نوفمبر 1960 لإعداد دستور للبلاد قبل نهاية عام 1962.وقد تشكل المجلس من 78 عضوا
وكان من المفروض أن يقوم بالمهمة الموكلة إليه إلا أن الخلافات السياسية بين
مكوناته حالت دون ذلك حيث أدى ذلك إلى تجميده وفشله ويعزى هذا الفشل أساسا إلى
التصورات المتباينة حول النظام الدستوري المزمع إنشاؤه.
وتجدر الإشارة في الأخير أنه
صدر في بداية عهد الملك الحسن الثاني "القانون الأساسي للمملكة"وذلك
بتاريخ 8 يونيو 1961،وقد حدد هذا القانون الأسس العامة للنظام السياسي المغربي
خلال المرحلة التي ستسبق وضع الدستور حيث نص على أن "المغرب مملكة عربية
إسلامية وأن الإسلام دين الدولة الرسمي والعربية لغة البلاد الرسمية"كما تضمن
مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات،وفصل السلط واستقلال القضاء الخ . . .
بعد الجدل بين القوى السياسية
حول السلطة التأسيسية للدستور، حسم الملك الحسن الثاني في الموضوع وقرر أن يقوم
بنفسه بإعداد مشروع دستور وطرحه على الشعب عن طريق الاستفتاء ليقول رأيه فيه
بالموافقة أو الرفض.
وانقسمت الأحزاب بين
مؤيد(الاستقلال، الحركة الشعبية، الأحرار المستقلون)والتي اعتبرت
الدستور في حد ذاته مكسبا مهما للنظام السياسي المغربي، ومعارض(الاتحاد الوطني
للقوات الشعبية،حزب الشورى والاستقلال،الحزب الشيوعي المغربي . . .)التي أصرت على
ضرورة قيام مجلس تأسيسي منتخب من الشعب يضع مشروع الدستور.
وقد جرت عملية الاستفتاء يوم 7 دجنبر 1962
بموافقة الشعب على الدستور وصدر الأمر الملكي بتنفيذ الدستور في 14 دجنبر
1962.
الفرع الأول
:دستور 1962 وفشل التجربة البرلمانية الأولى
يعرف تصدير الدستور المملكة
المغربية بأنها "دولة إسلامية ذات سيادة كاملة "وأن "لغتها الرسمية
هي اللغة العربية "وأنها "جزء من المغرب الكبير"و"تجعل من بين
أهدافها تحقيق الوحدة الإفريقية ".
كما وضع الدستور مبدأ"السيادة الوطنية "ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة "ويعترف بالأحزاب السياسية ومساهمتها في تنظيم المواطنين وتمثيلهم ومنع الحزب الواحد،كما جعل القانون"أسمى تعبير عن إرادة الأمة"وضمن مجموعة من الحقوق والحريات. . .
الفقرة
الأولى: تنظيم السلطات العامة
أ-
الملك
جعل الدستور الملك محور النظام
السياسي المغربي وذلك اعتبارا لمكانته التاريخية ومهامه الدينية والوطنية
والسياسية.
فالملك يعتبر أمير المؤمنين
ورمز وحدة الأمة والساهر على دوامها واستمرارها.كما أن شخص الملك "مقدس لا
تنتهك حرمته".
وخول الدستور المغربي للملك
صلاحيات واسعة يمارسها بنفسه دون أن يشاركه في التوقيع عليها أي شخص آخر في
الحكومة.فهو يقوم بتعيين الوزير الأول والوزراء وإعفاءهم من مهامهم أو إقالتهم إن
استقالوا،كما له حق حل البرلمان و إعلان حالة الاستثناء،ويرأس مجلس الوزراء ويعين
في المناصب المدنية والعسكرية ويعد القائد الأعلى للقوات المسلحة . . . كما يتمتع
الملك بصلاحيات هامة في المجال التشريعي والمجال التنظيمي. . .
ب-البرلمان
يتألف في ظل دستور 1962 من
مجلسين:مجلس النواب الذي ينتخب بالاقتراع العام المباشر لمدة أربع سنوات ومجلس
المستشارين الذي ينتخب بالاقتراع غير المباشر عن طريق ممثلي الجماعات المحلية
والمهنية لمدة ست سنوات.
وقد خص الدستور البرلمان
بصلاحيات عديدة في المجالات التشريعية والمالية ومراقبة أعمال الحكومة إما عن طريق
أسئلة الكتابية والشفوية أو عن طريق ملتمس الرقابة أو مسألة الثقة.
ج-الحكومة
أقر الدستور المسؤولية المزدوجة للحكومة أمام الملك وأمام البرلمان(مجلس النواب).وخص الوزير الأول بعدد من الصلاحيات الهامة من بينها ممارسة مهاما السلطة التنظيمية وحق التقدم بطلب مراجعة الدستور.كما خص الحكومة بقيادة السلطة التنفيذية والإدارية وبالمساهمة في العمل التشريعي..
الفقرة الثانية :فشل التجربة
البرلمانية الأولى (1965-1963)
لم تعمر
التجربة البرلمانية الأولى أكثر من سنة ونصف عقد خلالها البرلمان أربع دورات عادية
ودورة استثنائية .ولقد كانت حصيلة التجربة البرلمانية الأولى ضئيلة جدا حيث تم
خلالها المصادقة على مشاريع قوانين الميزانية (1964-1965)وعدد محدود من القوانين
الأخرى(قانون توحيد المحاكم وتعريبها وتوحيدها ،قانون التخطيط الثلاثي ،قانون
إنشاء محكمة عدل خاصة بجنايات الغدر والرشوة واستغلال النفوذ. . . ).
تميزت هذه التجربة البرلمانية
باشتداد الخلافات بداخل البرلمان بين الحكومة المكونة من "جبهة الدفاع عن
المؤسسات الدستورية" والتي تضم أساسا حزبي الأحرار المستقلين والحركة الشعبية
والمعارضة المتمثلة في حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية. كما
تميزت أيضا بتقديم ملتمس الرقابة من طرف المعارضة في 15 يونيو 1964 ضد
الحكومة لعجزها عن تنفيذ سياسة اقتصادية واجتماعية تتماشى وحاجيات البلاد.
وقد انتقل
الصراع من قبة البرلمان إلى الشارع حيث تزامن ذلك مع الأزمة التي كانت تعيشها
قطاعات اقتصادية واجتماعية مختلفة وقامت الاضطرابات ببعض المدن الكبرى وخصوصا
بالدار البيضاء حيث عرفت أحداثا دامية في مارس 1965.
وقد اضطر الملك اللجوء إلى
إعمال مقتضيات الفصل الخامس والثلاثين حيث أعلن حالة الاستثناء مبررا قراره هذا
باستحالة تشكيل حكومة ائتلاف وطني وتوفير أغلبية برلمانية وكذلك بجمود الوظيفة
التشريعية للبرلمان حيث قال في خطاب بتاريخ 30 مارس 1965 مخاطبا
البرلمانيين". . . إننا كنا ننتظر منكم القوانين ،وها نحن في العام الثالث من
تجربتنا البرلمانية والجريدة الرسمية لم تنشر بعد إلا ثلاثة قوانين. . ."
الفرع الثاني: دستور1972
والبحث عن التوازنات المؤسساتية
بعد فشل
التجربة البرلمانية الأولى والعمل بحالة الاستثناء لمدة خمس سنوات،أعلن الملك في 8
يونيو 1970 عن إنهاء حالة الاستثناء ورغبته في طرح مشروع دستور جديد على الاستفتاء
الشعبي.
بالرغم من معارضة أحزاب
الحركة الوطنية المسطرة المقترحة لتعديل الدستور، فقد تم المصادقة على الدستور
المقترح وصدر الأمر بتنفيذه بظهير شريف مؤرخ في 31 يوليوز 1970 .
تميز الدستور
الجديد الذي يعد بمثابة ما بين قوسين في التاريخ الدستوري المغربي بتدعيم مكانة
الملك الدستورية وتوسيع اختصاصاته وبإضعاف الحكومة وتقليص تمثيلية البرلمان وتضييق
صلاحياته. وقد علق دوفيرجي على هذا الدستور بقوله : " لا نجد في
الدستور إلا الملك" . وهكذا سعى دستور 1970 إلى دسترة
حالة الاستثناء كما أفضى إلى تجربة برلمانية فاشلة تميزت
بشبه غياب الأحزاب السياسية عن المجلس وبقصر عمرها إذ امتدت من أكتوبر 1970
إلى أكتوبر 1971 .
يعزى فشل التجربة البرلمانية
الثانية أساسا إلى الفراغ السياسي والاختلالات المؤسساتية وكذاك إلى الأحداث
الخطيرة التي عرفتها البلاد حينذاك والمتمثلة بمحاولة الانقلاب العسكري يوم 10
يوليو 1971، مما دفع الملك إلى إيقاف العمل بالدستور تمهيدا لإصدار دستور جديد.
الفقرة الأولى : مضمون دستور
1972
في فاتح مارس 1972 ،تم عرض مشروع الدستور الجديد
على الاستفتاء،وقد تمت الموافقة عليه بالأغلبية الساحقة واصدر الملك الأمر بتنفيذه
في 10 مارس 1972.
1- تنظيم السلطات العامة
يتميز دستور 1972 بإعادة بعض
التوازن بين السلطات العامة.فقد بقيت المؤسسة الملكية محتفظة بدورها المحوري في
النظام الدستوري مع نزوعها للقيام بدور الحكم بين المؤسسات .واسترجع الوزير الأول
ومجلس النواب بعض الصلاحيات التي فقدها في ظل دستور 1970.
أ-الملك
احتفظ الدستور بأهم اختصاصات
الملك في الظروف العادية والظروف الاستثنائية لكنه تضمن بعض التعديلات التي من
شأنها إعادة التوازن بين السلطات.
ففيما يتعلق بالصلاحيات في مجال
السلطة التنظيمية، أسند الدستور الجديد هذه السلطة للوزير الأول حصرا بعد أن كان
دستور 1970 خولها للملك أصالة.
أما فيما يخص عرض أي مشروع
اقتراح قانون للاستفتاء الشعبي،.فبعدما كان غير مقيد في دستور 1970 أصبح الدستور
الجديد ينص على ضرورة الموافقة عليه أو رفضه من طرف أغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
ب-الحكومة
استرجع الوزير الأول صلاحية
ممارسة السلطة التنظيمية واسترجع الوزراء صلاحيتهم في التوقيع بالعطف على مقررات
الوزير الأول وممارسة بعض الاختصاصات بناء على تفويض منه وبالتالي أصبحت الحكومة
أكثر استقلالية والوزير الأول يتمتع بنفوذ أكثر داخل الجهاز التنفيذي.
ج-البرلمان
أهم تعديل مس المؤسسة البرلمانية
يكمن في توسيع تمثيليته حيث أصبح الثلثين من أعضائه ينتخبون بالاقتراع العام
المباشر والثلث بالاقتراع العام غير المباشر.
كما أن البرلمان استرجع صلاحيته
التأسيسية وأخذ يتقاسمها مع الملك وتم توسيع دائرة اختصاص مجال القانون ولم يعد
معرضا للحل كلما تناقض موقفه مع المشروع أو المقترح المعروض على استفتاء الشعب كما
كان الشأن في ظل دستور 1970.
2- دينامية سياسية جديدة
بالرغم من موافقة الشعب على
الدستور فإنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا في شهر أكتوبر من سنة 1977.ويعزى ذلك إلى
عدة عوامل من أهمها محاولة الانقلاب العسكري في غشت 1972 والخلافات بين الملك
والمعارضة حول تكوين حكومة وطنية .ولكن العامل المهم في هذه الفترة هو تنظيم
المسيرة الخضراء (5 نوفمبر1975)والتي استرجع بموجبها المغرب أقاليمه الصحراوية في
الجنوب.فقد خلقت هذه القضية إجماعا وطنيا والتحاما شعبيا أدى إلى دينامية
جديدة لانطلاق المسلسل الديمقراطي وانفراج سياسي سانح للدعوة لإجراء انتخاب
مجلس النواب.
تميزت التجربة البرلمانية
الثالثة بكونها التجربة الأولى التي أكملت ولايتها المحددة والتي كانت في
الأصل أربع سنوات وأصبحت ست سنوات بموجب التعديل الدستوري بتاريخ 30 ماي 1980.
و قد تلت هذه
التجربة ولاية تشريعية رابعة تميزت أساسا بتمديد مدة نيابتها سنتين إضافيتين بسبب
إعطاء الفرصة لمنظمة الأمم المتحدة لتتمكن من تنظيم عملية الاستفتاء في الصحراء
المغربية خلال هاتين السنتين الإضافيتين.وبالتالي يمكن اعتبار هذه التجربة أطول
تجربة برلمانية في التاريخ السياسي المعاصر . وقد ميز هذه الولاية أيضا تقديم
المعارضة لملتمس الرقابة في ماي 1990 ضد حكومة عز الدين العراقي ويعتبر هذا
الملتمس الثاني من نوعه في تاريخ الممارسة البرلمانية المغربية.
أظهرت التجربتان البرلمانيتان في ظل دستور 1972 بالرغم من جوانبها الإيجابية والمتمثلة في تراكم الممارسة التشريعية والرقابية للبرلمان محدوديتهما في مواجهة التحديات الكبرى التي صار يواجهها المغرب .ولذا تبين لجميع الفاعلين السياسيين ضرورة سن إصلاحات دستورية جديدة تواكب التطورات الدولية والوطنية وتعمل على ترسيخ دولة الحق و القانون.
المبحث
الثاني : من الحسن الثاني إلى محمد السادس أوالبحث عن توازنات دستورية وسياسية
جديدة
جاءت
الإصلاحات الدستورية لعامي 1992 و 1996في خضم البحث عن التوافق من أجل تحقيق
التناوب وإشراك المعارضة في تسيير شؤون الحكم وإحداث نوع من التوازن بين المؤسسات’
كما جاءت هذه الإصلاحات المهمة نتيجة نضج التراكمات السياسية خلال ثلاثين
سنة من الحياة السياسية و الدستورية وضغوط المجتمع المدني من أجل الديمقراطية
وحقوق الإنسان ، كما جاءت تلبية لمطالب أحزاب المعارضة بتعجيل الإصلاحات الدستورية
بهدف دمقرطة المؤسسات السياسية وترسيخ دولة الحق والقانون. وقد تميزت
هذه المرحلة بإنشاء المحاكم الإدارية( 10 شتنبر 1993)و المجلس الاستشاري لحقوق
الإنسان و إحداث المجلس الدستوري و"تشبت المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف
عليها دوليا" (تصدير الدستور)، كما عرفت أيضا بداية مسلسل العدالة الانتقالية
مع إحداث هيأة التحكيم المستقلة في 16 غشت 1998 من أجل تحقيق شروط المصالحة
الوطنية....
تعد المراجعة الدستورية سنة 1992 كنتيجة حتمية لمتغيرات على الصعيد الدولي
والوطني
·
فعلى الصعيد
الدولي:تميز الوضع بانهيار الكتلة الشيوعية في أوروبا الشرقية وتوسع الحركة
الديمقراطية في دول العالم الثالث.
·
أما على
الصعيد الوطني:فقد جاءت الإصلاحات الدستورية لسنة 1992 نتيجة نضج التراكمات
السياسية خلال ثلاثين سنة من الحياة الدستورية والسياسية وضغوط المجتمع المدني من
أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.كما جاءت إثر مطالب أحزاب المعارضة بتعجيل
الإصلاحات الدستورية بهدف دمقرطة المؤسسات السياسية من خلال مذكرات (أكتوبر
1977وماي 1991)رفعتها إلى جلالة الملك .
أما المراجعة الدستورية
لسنة1996 فكانت تهدف أساسا إلى تحقيق التوافق السياسي من أجل تحقيق التناوب و
إشراك المعارضة في تسيير شؤون الحكم بينما الدستور الجديد ل 2011 فجاء في سياق
وطني و جهوي آخر و أفضى إلى مكتسبات دستورية وسياسية مهمة.
المطلب الأول :مضمون التعديلات
الدستورية لعامي 1992 و 1996
الفرع الأول
: أهم التعديلات الدستورية لسنة 1992
تمت المصادقة
على مشروع الدستور المعدل عن طريق الاستفتاء الشعبي يوم 4 سبتمبر وأصدر الأمر
بتنفيذه في 9 أكتوبر 1992.
وقد تميز الدستور المعدل بتوازن
أكبر بين السلطات العامة وبتقوية الطابع البرلماني للنظام السياسي والمسؤولية
السياسية للحكومة ’كما أنه رسخ مسلسل بناء دولة الحق و القانون وذلك بالتأكيد في
تصدير الدستور على تشبث المغرب "بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا".
أ-الملك
خول الدستور المعدل للملك
صلاحية تشكيل لجان برلمانية لتقصي الحقائق مثله في ذلك مثل أغلبية أعضاء مجلس
النواب كما خول له صلاحية إحالة القوانين على المجلس الدستوري للبث في دستوريتها .
ومن المعلوم أن الدستور المعدل
منح هذه الصلاحية أيضا للحكومة في شخص الوزير الأول ومجلس النواب في شخص رئيسه أو
ربع أعضائه.
ب-البرلمان
أهم المستجدات التي أتى بها
الدستور المعدل تتعلق بالصلاحيات الآتية:
ü
التنصيص على
تقنية التنصيب والتي بموجبها تجبر الحكومة على عرض برنامجها أمام البرلمان
والتصويت عليه،وفي حالة رفض البرنامج تقدم الحكومة استقالتها.
ü
التنصيص
دستوريا على اجل 20 يوما لتدلي الحكومة بجوابها على الأسئلة البرلمانية .
ü
صلاحية
أغلبية مجلس النواب لتشكيل لجان لتقصي الحقائق.
ü
الإعلان عن
أن حالة الاستثناء لا تؤدي حتما إلى حل البرلمان
ü
تحديد أجل 30
يوما لإعطاء الأمر بتنفيذ القانون. للتذكير فإن الدساتير السابقة لم تحدد أي أجل
لذلك وتركتها للسلطة التقديرية المطلقة للملك.
ü
تخويل ربع
أعضاء مجلس النواب صلاحية إحالة القوانين على المجلس الدستوري قصد البث في
دستوريتها.
ج-الحكومة
قوى الدستور المعدل لسنة 1992
من مؤسسة الوزير الأول ومن استقلالية الحكومة كبنية منسجمة سياسيا.
وهكذا أصبح الملك يعين الوزير
الأول وهذا الأخير صار يقترح تعيين الوزراء على الملك.كما أصبحت مسؤولية تنفيذ
الحكومة للقوانين تقع على عاتق الوزير الأول الذي له أيضا صلاحية إحالة القوانين
على المجلس الدستوري للبث في دستوريتها.
الفرع الثاني : أهم
التعديلات الدستورية لسنة 1996
جاءت هذه
التعديلات الدستورية لسنة 1996 لتجعل حدا للتجربة البرلمانية الخامسة وقد تمت
المصادقة عليها في الاستفتاء الشعبي في 13 سبتمبر 1996 بشبه إجماع وطني وأصدر
الأمر بالتنفيذ بموجب ظهير 7 أكتوبر 1996.
بقيت المؤسسة الملكية محتفظة
بصلاحيتها الدستورية التي تجعل منها المؤسسة المحورية في النظام السياسي المغربي
،ومن أهم المستجدات التي أتت بها التعديلات الدستورية هو إنشاء نظام برلماني ذي
مجلسين وإنشاء بعض المؤسسات الأخرى.
أ-نظام
المجلسين
أصبح
البرلمان في ظل دستور 1996 يتكون من مجلسين :مجلس النواب مكون من 325 عضوا ينتخبون
عن طريق الاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات ومجلس المستشارين يتم انتخاب
أعضائه المائتين والسبعين (270) عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على
أساس قاعدة أكبر بقية لمدة تسع سنوات على أن يتجدد ثلث المجلس كل ثلاث سنوات .و
ينص الدستور على أن أعضاء مجلس المستشارين يتم انتخابهم في نطاق الهيئة الناخبة
المكونة من ممثلي الجماعات المحلية وغرف الفلاحة والتجارة والصناعة والخدمات
والصناعة التقليدية والصيد البحري .
أما فيما يخص اختصاصات
المجلسين، فقد اتجهت التعديلات الدستورية لسنة 1996 إلى تحقيق قدر من المساواة بين
المجلسين.
وبالتالي فإن مجلس المستشارين يتمتع بصلاحية
مبادرة القوانين وتشكيل لجن تقصي الحقائق ومساءلة الوزراء وسحب الثقة من الحكومة
استنادا على مسطرة خاصة’ولكن أقرت التعديلات الدستورية مع ذلك ترجيح كفة مجلس
النواب في حالة عدم التوصل إلى اتفاق على نص واحد مع مجلس المستشارين في اللجنة
الثنائية المختلطة بين أعضاء المجلسين.
كما تجدر الإشارة إلى مجلس
النواب المنتخب بكيفية مباشرة هو الذي له صلاحية المصادقة على البرنامج الحكومي
والذي يؤدي عدم التصويت عليه إيجابا استقالة الحكومة استقالة جماعية.أما مجلس
المستشارين فتقتصر مهمته على مناقشة البرنامج الحكومي دون التصويت عليه.
فضلا عن ذلك’ فإن المسؤولية
السياسية للحكومية أمام مجلس النواب أصبحت سهلة التحريك مقارنة مع مجلس المستشارين
حيث يشترط الدستور توقيع ربع أعضاء مجلس النواب على ملتمس الرقابة وثلث الأعضاء
بالنسبة لمجلس المستشارين.كما أن التصويت على ملتمس الرقابة يقتضي الأغلبية
المطلقة لأعضاء مجلس النواب،بينما يقتضي أغلبية ثلثي أعضاء مجلس المستشارين.
يخول الدستور المراجع لسنة 1996
لمجلس المستشارين صلاحية أخرى متميزة وهي ملتمس "توجيه التنبيه"بعد أن
يكون قد حظي بتوقيع ثلث أعضاء المجلس على الأقل والتصويت عليه بالأغلبية
المطلقة.ولايؤدي"ملتمس توجيه التنبيه"إلى استقالة الحكومة بقدر ما يؤدي
إلى مساءلتها حول سياستها أو إثارة تنبيهها حول قضية يعتبرها مجلس المستشارين ذات
أهمية بالغة في الحياة الوطنية.
من أهم المستجدات الأخرى التي
أتى بها الدستور المراجع سنه 1996 تأسيس مجلس الحسابات كما استحدث المجلس
الاقتصادي والاجتماعي. كما أضفى الدستور على الجهة صبغة دستورية وجعلها
"جماعة محلية" وعدل تشكيلة المجلس الدستوري الذي أصبح يضم اثنا عشر
عضوا،ستة يعينون من طرف الملك بما فيهم الرئيس والستة الآخرين يعينهم رئيسي مجلس
النواب ومجلس المستشارين بعد استشارة الفرق البرلمانية.
الفرع الثالث: التناوب التوافقي
في هذه المرحلة التي تلت
التعديل الدستوري لسنة 1996 عرف المغرب محاولتان لتحقيق التناوب التوافقي و لكنها
باءت بالفشل إذ اقترح جلالة الملك بعد الانتخابات التشريعية في افتتاح الولاية
التشريعية في أكتوبر 1993 على أحزاب الكتلة الديمقراطية الأربعة المكونة
من الاستقلال والاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية ومنظمة العمل
الديمقراطي الشعبي تشكيل حكومة تتولى جميع المرافق الوزارية باستثناء الوزارة
الأولى و وزارة الداخلية و وزارة الخارجية ووزارة العدل لكن أحزاب الكتلة
باستثناء التقدم و الاشتراكية رفضت هذا المقترح . وفي 14 أكتوبر من سنة 1994 اقترح
جلالة الملك بصيغة جديدة أكثر تقدما من الصيغة الأولى تشكيل الحكومة من طرف
المعارضة وإسناد الوزارة الأولى لها لكن أحزاب تحفظت مرة أخرى عن هذا العرض.
وفي 4 فبراير 1998 كلف الملك
الحسن الثاني عبد الرحمن اليوسفي –الكاتب الأول للإتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية،بتشكيل الحكومة الجديدة،وبعد مشاورات ومفاوضات تم تشكيل أول حكومة للتناوب
وتعيينها من طرف الملك في 6 مارس 1998.وتضم الحكومة سبعة أحزاب،الاتحاد الاشتراكي
،حزب الاستقلال وحزب الأحرار والحركة الوطنية الشعبية وجبهة القوى الديمقراطية
والتقدم والاشتراكية والحزب الديمقراطي الاشتراكي.
وقد فتحت حكومة التناوب عهدا
جديدا في التاريخ السياسي المغربي كما تعتبر تجربة التناوب السياسي في المغرب
تجربة فريدة في العالم العربي ومن بين التجارب الرائدة في القارة الإفريقية.
وفي 23 يوليوز 1999 توفي الملك
الحسن الثاني وخلفه ولي العهد جلالة الملك محمد السادس الذي تمت مبايعته في نفس
اليوم وقد بادر جلالته إلى تجديد الثقة في حكومة التناوب برئاسة وأكد على تشبت المغرب بدولة الحق والقانون.
المطلب
الثاني: دستور 2011
عرفت سنة 2011 تحولا في العديد من الأنظمة السياسية ذات التوجه السلطوي انطلاقا من حراك اجتماعي ساهمت فيه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في تأجيجه خصوصا في منطقة شمال إفريقيا و منطقة الشرق الأوسط. ولم يبق المغرب بمعزل عن هذه الحركية الاجتماعية ففي هذا المناخ ظهرت حركة 20 فبراير التي استمدت مطالبها من التراكم النضالي للقوى السياسية الوطنية والحقوقية وهذا ما يجعل التجربة المغربية شكلت استثناء مقارنة مع تجارب أخرى. ومن هذه المنطلقات، وباعتبار المؤسسة الملكية تعد ركيزة النظام السياسي سارع الملك بشكل استباقي في خطاب ملكي اعتبر تاريخيا، حيث شكلت مضامينه خارطة طريق لإصلاح دستوري شامل، تضمن العديد من المستجدات ترسم معها صورة نظام سياسي جديد بالمغرب . وعلى الر غم من تركيز الخطاب الملكي على كونه استمرارية لإصلاحات الشاملة التي تشهدها المملكة المغربية منذ تولي الملك محمد السادس حكم الدولة، فإن العديد من المتتبعين اعتبروا أن الخطاب هو تجاوب مع الحراك الشعبي، ومحاولة لتجاوز ما وقع في دول الجوار. دستور 2011 اندرج إذن في خضم ما سمي بالربيع العربي الذي نسف بكثير من الأنظمة العربية و لكن أيضا تحت تأثير وضغط الفاعلين في الحقل السياسي المغربي الذين كانوا يرون أن العهد الجديد مع وصول محمد السادس إلى الحكم يستلزم دستورا جديدا يراعي التطورات التي طرأت على البنية السياسية والاجتماعية منذ آخر إصلاح دستوري سنة 1996.
الفرع الأول:
خطاب 9 مارس و آليات إعداد الدستور الجديد
الفقرة
الأولى: خطاب الإصلاح
لقد ترجم الملك مطالب الإصلاح، من خلال خطاب 9 مارس في المرتكزات السبع
التالية:
أولا : التكريس
الدستوري للطابع ألتعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي
صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة
ثانيا : ترسيخ دولة
الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز
منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية،
والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة،
والالتزامات الدولية للمغرب
ثالثا : الارتقاء
بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور،
ولسيادة القانون، والمساواة أمامه
رابعا : توطيد مبدأ
فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، من خلال :
برلمان نابع
من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال
القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية
والرقابية.
- حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر
عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب .
- تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي
تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها .
- تقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية
فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ
البرنامج الحكومي
- دسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته .
خامسا : تعزيز
الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية
حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني .
سادسا : تقوية
آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة
والمحاسبة .
سابعا : دسترة هيأت
الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات"
الفقرة ا
لثانية: آليات إعداد دستور 2011
تم أيضا
بموجب خطاب 9 مارس إحداث اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، ودعوتها إلى " الإصغاء والتشاور مع
المنظمات الحزبية والنقابية، ومع الفعاليات الشبابية و الجمعوية، والفكرية
والعلمية المؤهلة، وتلقي تصوراتها في هذا الشأن". تكونت اللجنة الاستشارية
لمراجعة الدستور، بالإضافة إلى رئيسها السيد عبد اللطيف المنوني ، من 18 شخصية
تنتمي إلى مشارب فكرية وعلمية مختلفة. كما تم
الإعلان بموازاة لذلك عن إحداث آلية سياسية تضطلع بمهمة المتابعة، والتشاور وتبادل
الرأي بشأن الإصلاح المقترح تضم بصفة خاصة رؤساء الهيئات السياسية والنقابية،
وأسندت رئاستها لمستشار الملك السيد محمد معتصم.
اعتمدت اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور في
أعمالها على تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة ، وتوصيات هيئة الإنصاف و
المصالحة إضافة إلى مذكرات الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمجتمع المدني
التي وصلت إلى 185 مذكرة منها 33 مذكرة صادرة عن الأحزاب السياسية والباقي من
مختلف النقابات والجمعيات.
و الجدير
بالملاحظة أن هذه الآلية التشاركية المنفتحة على جميع الفرقاء السياسيين
والاجتماعيين تعد أكثر تطورا من الطريقة التي كانت تعتمد في إعداد الدساتير
السابقة و إن كان الأمر لم يصل إلى درجة انتخاب مجلس تأسيسي يوكل له أمر
تحرير الوثيقة الدستورية وعرضها على الشعب عن طريق الاستفتاء.
ولقد تم عرض مشروع الدستور على الاستفتاء وإقراره بتاريخ فاتح يوليوز 2011.
الفرع
الثاني: مضامين الدستور الجديد
تعد الوثيقة الدستورية لسنة
2011 أكثر تقدما من سابقيها حيث جاء بمستجدات كثيرة تهم الشكل
والمضمون. فعلى مستوى الشكل أصبح التصدير جزءا لا يتجزأ من الدستور، كما
أصبح عدد فصول الدستور الجديد 180 فصلا على خلاف دستور 1996 الذي لم تتجاوز فصوله
108 .وقد توزعت هذه الفصول على أربعة عشر بابا،جاء ترتيب الملكية في الباب الثالث
منها بعد الباب الأول الخاص بأحكام عامة، والباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات
ألأساسية، ويمكن تلخيص مضامينه في المحاور التالية :
1-
التكريس
الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن ( لم يعد الملك شخصا مقدسا كما كان في الدساتير
السابقة
2-
دسترة اللغة
الأمازيغية كلغة رسمية.
3-
دسترة كافة
حقوق الإنسان كما متعارف عليها عالميا ( أكثر من 20فصل خاص بالحقوق )
4-
الانبثاق
الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة الذي يتم اختياره وجوبا من
الحزب الذي تصدر الانتخابات ودسترة مجلس الحكومة، وتخويله صلاحيات تنفيذية
واسعة مع منح المجلس الوزاري صلاحيات إستراتيجية وتحكيمية وتوجيهية، وهو ما
يعد في حد ذاته خطوة مهمة نحو تكريس الملكية البرلمانية
5-
قيام سلطة
برلمانية تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة، وإقرار مسؤولية الحكومة الحصرية
أمام البرلمان الذي أصبح يحتكر سلطة التشريع، وتوسيع مجال القانون من 30 مجال إلى
60 ،ومنع ظاهرة الترحال الحزبي.
6-
تخويل
المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة، وإلزام الحكومة بتقديم عرض مرحلي عن
العمل الحكومي على لسان رئيس الحكومة، وتخفيض النصاب القانوني الذي كان مطلوبا
لتقديم ملتمس الرقابة ولجان تقصي الحقائق والإحالة على المحكمة
الدستورية.
7-
ترسيخ سلطة
قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، والارتقاء بالمجلس الدستوري إلى
محكمة دستورية ذات اختصاصات واسعة، وتخويلها سلطة البت
في دفوعات
المتقاضين بعدم دستورية قانون ما أو ما يسمى بتقنية الدفع بعدم دستورية القوانين.
8-
دسترة بعض
المؤسسات ألأساسية، كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية
المغربية بالخارج، والهيأة العليا للإعلام السمعي البصري، والمجلس الأعلى للتربية
والتكوين والبحث العلمي، وتوسيع اختصاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي لتشمل
قضايا البيئة، وإنشاء مجلس للشباب والعمل الجمعوي.
9-
تعزيز آليات
الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، وتعزيز دور المجلس
الأعلى والمجلس الجهوي للحسابات، ودسترة مجلس المنافسة والهيأة الوطنية للنزاهة
ومحاربة الرشوة والوقاية منها، وإحداث آلية مؤسسية استشارية في شكل مجلس
أعلى للأمن.
10-
التكريس
الدستوري للمغرب الموحد للجهات، القائم على الجهوية الموسعة.
تلك أهم
مضامين دستور 2011 ولكن الوثيقة الدستورية هي في حد ذاتها مجرد نص يعود على
الفاعلين السياسيين شحنه بدلالات و مفاهيم تستجيب و طموحات شعوبهم كما أن تفعيله
يبقى رهين في آخر المطاف بموازين القوى في كل بلد حسب درجة وعيه و مستوى طموحه.
إرسال تعليق
اترك تعليقا إن كان لك أي استفسار